ادولف
عدد المساهمات : 85 نقاط : 21904 السٌّمعَة : 0 تاريخ التسجيل : 21/01/2010
| موضوع: الإمام الشافعي" فقيـه السـنة الأكـــبر " الأربعاء يونيو 23, 2010 1:45 am | |
| الإمام الشافعي" فقيـه السـنة الأكـــبر " كل شيء كان هادئًا في الوادي الفسيح إلا من أصوات بكاء طفل صغير لم يتجاوز الثانية من عمره ، قد احتضنته أمه بين ذراعيها ، وضمته إلى صدرها ، وهى تربت على كتفه في حنان وعطف ، فاستسلم الصغير إلى النوم ، بينما أخذت الأم تشخص ببصرها نحو الأفق البعيد وهى تقول بصوت منخفض كسير : يرحمك الله يا أبا "محمد" ، لقد رحلت بنا من "مكة" إلى "غزة" بحثًا عن الرزق ورغد العيش فمت على أرضها ، ودُفنت في ترابها ، وها أنا ذا في طريقي إلى "مكة" ثانية ؛ لينشأ ولدك الصغير بين أهله وعشيرته من "بنى المطلب" .وراحت الأم المسكينة تبكى بكاءً مراًّ ، بعد أن تذكرت تلك السنوات القليلة التي قضتها على أرض "فلسطين" في رفقة زوجها الحبيب ،فقد كان لها نعم الزوج بل والأخ والصديق ، ولكن الأيام الجميلة مرت مسرعة مرور السحاب، كأنها حلم قصير لكنه جميل . [center] وفى "مكة المكرمة" عاشت الأم في كنف أهل زوجها ، تربى ولدها تربية صالحة، وتفيض عليه من حبها وعطفها ، فشب الصغير سويالنفس هادئ الطبع عظيم الخلق ، وقد أخذت الأم الصالحة على عاتقها أن يحفظ ولدها القرآن الكريم وأن يتعلم القراءة والكتابة حتى يتسلح بسلاح الدين والعلم ، فأرسلته إلى أحد الكتاتيب ، على الرغم من فقرها ، وعدم قدرتها على توفير أجرة المعلم ، وذهب "محمد" إلى أول يوم في الدرس ، وهو لا تكاد تحمله قدماه ، فلما شاهده المعلم استصغره ، وقال له : يا بنى ، اجلس إلى جواري ، وأنصت جيدًا إلى من هم أكبر منك حتى تتعود على القراءة والحفظ . غير أن الصغير "محمد بن إدريس الشافعي" كان يشع ذكاءً وفطنة ونبوغًا ؛ فلم يكد يسمع معلمه يُملى على طلابه شيئًا مما يدرسونه إلا ويحفظه بسرعة مذهلة ، ولم يكن يمر عليه يوم في الكتاب إلا ويزداد فيه علمًا وإقبالاً على الدرس والمعرفة ، فأحبه معلمه ، وأخذ يشجعه ، ويحثه على المضي قدمًا في طريق العلم فازداد الصغير نبوغًا وتفوقًا إلى حد جعل معلمه يقول له : يا بنى .. أنت ذو ذكاء وفطنة تجعلني لا أبذل معك جهدًا أستحق عليه الأجر ، ويكفيني أن تخلفني في مقامي هذا إذا ما غبت يومًا عنه ، وتشرف على الصبيان. وطار الصغير إلى أمه فرحًا يبشرها أنها لن تتكلف مشقة توفير أجرة المعلم ، ففرحت الأم الصالحة بنبوغ ولدها ، وأخذت تشجعه وتبث في نفسه حب العلم ؛ مما جعله يقبل على حفظ القرآن الكريم بشغف ونهم حتى استطاع أن يحفظه كاملاً وهو في السابعة من عمره فقط . وكانت سعادة الأم بختم ولدها القرآن بهذه السرعة المذهلة عظيمة ؛ مما جعلها تفكر كثيرًا كيف توجه هذا الطفل الذكي نحو طريق النبوغ ، فأرسلته إلى بيت الله الحرام ، وبدأ الفتى يستمع إلى علمائه الأفذاذ ، ولم يكن معه حينئذ ما يشترى به ثمن الورق لكي يدون دروسه ، فأخذ يكتب على سعف النخيل وعظام أكتاف الإبل وجلود الحيوانات ، وفى هذه الفترة المبكرة من طلبه للعلم، فطن "الشافعي" بذكائه إلى أهمية دراسة اللغة العربية الفصحى من نبعها الصافي حتى يفهم كلام الله – تعالى – وأحاديث رسوله -صلى الله عليه و سلم- ،فذهب إلى قبيلة "هذيل" وكانت من أفصح العرب ، وظل يلازمهم سنين طويلة ، حتى تعلم فصيح كلامهم ، وحفظ أشعارهم ، وسمع منهم سيرة العرب وأخبارهم في الجاهلية والإسلام ،كما تعلم الفروسية والرمى، حتى أصبح فارسًا شجاعًا لا يبارى ورامًيا ماهرًا بالنبل لا يخطئ هدفه إلا نادرًا . ومرت السنون وعاد "الشافعي" إلى بلده الحبيب "مكة" ، وما كاد يطفئ شوقه وحنينه بلقاء أمه حتى انطلق يكمل مسيرته في طلب العلم بحماس كبير ، فاتجه إلى "مسلم بن خالد الزنجي" شيخ الحرم المكي ، ومفتى "مكة" الكبير، ليكون أول أستاذ له في دراسة الفقه ، كما درس الحديث النبوي الشريف على مُحدث الحرم المكي "سفيان بن عيينة" ، وخلال مدة قليلة برز "الشافعي" كمفسر بارع ومحدث ثقة وفقيه نابغة مُلم بأصول الفقه ، حتى إن شيخه "مسلم بن خالد" أذن له أن يفتى وهو ابن خمس عشرة سنة ، وهو يقول في فخر واعتزاز: "أفتى يا محمد ، فقد آن لك – والله – أن تفتى . وكان شيخه "سفيان بن عيينة" إذا جاءه شيء من التفسير أو الفتيا يقول ، وهو يلتفت إلى تلميذه النجيب : سلوا هذا الغلام . وأثناء دراسة "الشافعي" بمكة سمع بعالم الدنيا وإمام "المدينة" "مالك بن أنس" فرغب في التتلمذ عليه ، لكنه رأى بعقله الحاذق أن لا يذهب إلى ذلك العالم الفذ وهو خالي الوفاض من علمه، فحفظ كتابه "الموطأ" خلال تسع ليال فقط . ثم توجهالفتى إلى بيت الإمام "مالك" بالمدينة ، وتحدث الشافعي في فصاحة وبلاغة وأدب مع الإمام ، وأخبره برغبته في أن يكون تلميذًا له ، فأخذ الإمام ينظر طويلاً إلى ذلك الفتى ، وهو يحكى قصته في طلب العلم، وكان للإمام فراسة عجيبة ، وبصيرة نافذة ، ثم قال له : يا بنى إنه سوف يكون لك شأن عظيم إن شاء الله ، فإذا جاء الغد تحضر إلى ، ومعك من يقرأ لك كتاب "الموطأ"، فإني أخشى ألا تحسن قراءته، فرد "الشافعي" في أدب : بل أنا اقرؤه عليك حفظًا دون كتاب يا إمام .وظل "الشافعي" ملازمًا لشيخه، الإمام "مالك" مدة طويلة ، وكان الإمام يحبه كثيرًا ، وفى عام (179 ﻫ) توفى الإمام "مالك" فعاد "الشافعي" إلى "مكة"، وهو يحمل زادًا عظيمًا من العلم كان له أثر بالغ في حياته كلها ، وبعد أن استقر به المقام في مكة تزوج من السيدة "حميدة بنت نافع" من أحفاد أمير المؤمنين "عثمان بن عفان" – رضى الله عنه – وأنجب منها ولدين وبنتًا . فى فناء "زمزم" وإلى جوار مقام "إبراهيم" – عليه السلام- جلس الإمام "محمد بن إدريس الشافعي" يعلم الناس ، فالتف حوله طلاب العلم من كل مكان ، وأصبحت حلقته من أكبر حلقات الدرس في المسجد الحرام ، وجاوزت شهرة الإمام حدود "مكة" حتى بلغت العراق ، فأرسل إليه أحد علمائها الكبار وهو " عبد الرحمن بن مهدى" يطلب منه أن يؤلف له كتابًا في أدلة التشريع من القرآن والسنة والإجماع ، وغيرها من المسائل التي يبنى عليها الفقه ، فألف له "الشافعي" كتاب "الرسالة"، الذي يعد أول كتاب في علم أصول الفقه، ذلك العلم الذي نظم قواعده، وصاغ مسائله، وجمع شتات أبوابه. وفى عام (195 ﻫ) سافر الإمام إلى "بغداد" مرة ثانية ، ظل يعلم ويدرس فيها لمدة سنتين، حتى تتلمذ عليه الكثير ، ومنهم الإمام ابن حنبل" الذي يقول : لولا "الشافعي" ما عرفنا فقه الحديث" . وقبل أن يرحل الإمام عن "العراق" كان قد انتهي من تأليف كتابه الضخم "الحجة"، وفيه وضع الإمام خلاصة مذهبه الفقهي الجديد . وتستمر الرحلة ، ويرحل الإمام إلى "مصر" سنة (199 ﻫ) ، وبدأ الإمام ينشر علمه وفقهه بين أهل "مصر" فما لبث أن أحبه الناس ، وأقبل عليه الطلاب من كل أقطار العالم الإسلامي . ومرض الإمام العظيم في آخر حياته مرضًا شديدًا ، وظل هذا المرض ملازمًا له طوال أربع سنوات ، فمامنعه ذلك من مواصلة المحاضرات والدروس ، وعندما يعود إلى بيته كان يتحامل على نفسه ، ويظل الساعات الطوال يكتب ويؤلف وينقح كتاب "الحجة" الذي ألفه بالعراق ، ثم سماه بعد تعديله كتاب "الأم" ، وظل الإمام على دأبه حتى أقعده المرض ، وانقطع عن الدرس ، فكان تلاميذه يزورونه ويواسونه في مرضه ، ودخل عليه أحد تلامذته يومًا فقال له : كيف أصبحت يا إمام؟ فقال الإمام : أصبحت عن الدنيا راحلاً ، وللإخوان مفارقًا ، ولكأس المنية شاربًا ، وعلى الله جل ذكره واردًا ، والله ما أدرى روحي تصير إلى الجنة فأهنئها ، أو إلى النار فأعزيها !!! ثم بكى الإمام ، وصعدت روحه الطاهرة إلى بارئها ليلة الجمعة ، آخر يوم من شهر "رجب" سنة (204 ﻫ, ودفنبمقبرة القرشيين بين قبور بنى عبد الحكم بمصر ، فرحم الله الإمام رحمة واسعة ، وأدخله فسيح جناته
[/center] | |
|